تحرّك الاتحاد الطلابي العام والنادي الثقافي الفلسطيني ومجموعة «معرفة من أجل التحرير»، يوم الجمعة في 10 تشرين الثاني، في الجامعة الأميركية في بيروت، لمنع انعقاد جلسة نقاش مع الصهيوني أليك والن تحت عنوان «أخلاقيات الحرب في غزة»، يحاوره فيها بشار حيدر، وهو أستاذٌ في الجامعة ورئيسٌ سابق لقسم الفلسفة فيها، متذرعاً بالحرية الأكاديمية، متى صبّت في ماكينة الدعاية الاستعمارية.
في مقاله المعنوَن بـ«أخلاقيات الجامعة الأميركية مقابل العالم الأسود»، الذي نشرته جريدة النهار، حرّض الأستاذ في الجامعة نفسها مكرم رباح بكل ما أوتي من تعالٍ واستلابٍ ثقافوي على الحركة الطلابية، لا سيما طلبة المنح الأكاديمية في الجامعة الأميركية ممن شاركوا في التحرك الهادف إلى منع عقد الجلسة. يهمنا في هذا الصدد الرد على عدة نقاط أوردها رباح في مقالته:
1: فعل سياسي مقاوم في وجه الترويج لسردية الاحتلال
تجمع الطلبة عند مكتب حيدر لتعلو الهتافات نصرةً لغزة ومقاومتها وشعبها الصامد، وذمّاً لبشار حيدر، الذي كان يطمح إلى إفراد ساعة ونصف للأستاذ الصهيوني، بحسب تعريفه عن نفسه، أليك والن، وهو أكاديمي ينكر بشكل صريح وواضح حق العودة لفلسطينيي الشتات، ويعتبره نذيراً بإبادة جماعية بحق يهود «إسرائيل» ليروّج لسردية الاحتلال الاستيطاني.
تمكّن الطلبة من منع انعقاد الجلسة، وجابهوا الفعل السياسي الاستفزازي بالفعل السياسي المقاوم، لا بسبب التهديدات الأمنية التي ابتكرتها إدارة الجامعة وتذرعت بها للحط من الدور النضالي للطلاب داخلها، ورفضاً للاعتراف بالهزيمة أمام إرادة الطلاب الحرة.
إن استضافة شخص كهذا أمر يستحق الرفض والإدانة، وخلافنا الجوهري مع مستضيفه هو اعتباره أن الإبادة التي يرتكبها جيش الاحتلال في غزة هي حرب بين طرفين يجوز مناقشة أخلاقياتها.
لسنا في موقع الدفاع عن موقفنا الذي أعلنا عنه انطلاقاً من قناعاتنا ومنطلقاتنا السياسية والأخلاقية بالذات. بل إن الجامعة الأميركية مطالبة، كما أن صديق رباح، بشار حيدر، مطالب بدوره بتقديم تفسير عن سبب استضافة أليك والين، الصهيوني البراغماتي، من بين مئات الأساتذة الأكفاء في لبنان وخارجه لتقديم ندوة عن «أخلاق الحرب في غزة»، في الوقت الذي يتعرض فيه الغزيّون وعموم الفلسطينيين لعملية إبادة جماعية بما يخدم السردية الإسرائيلية عن الأحداث الجارية اليوم في فلسطين.
2: عن الحرية الأكاديمية وشروطها
أما بشأن تعارض فعلنا مع «الحرية الأكاديمية» و«حرية التعبير»، فلا داعي للتذكير بأن الكلام عن الحرية والحوار والرأي والرأي الآخر لا يكون في ظل اللاتكافؤ الحاد في ميزان القوة بين من يقدم الرأي ومن يقدم الرأي الآخر، أي من دون الالتفات إلى علاقات القوى الكامنة بين المستمِعر والمستعمَر، تحديداً في سياق الإمبريالية الأكاديمية. ليس قمعاً للحرية أن نمنع شخصاً تفرد له ولأمثاله مساحات لا حصر لها من جامعات وصحف عالمية، ووسائل إعلام جماهيرية ضخمة، ووسائل تواصل اجتماعي منحازة للاحتلال بشكل مثير للغثيان. ليس من واجبنا أن نفتح لهؤلاء مساحة أخرى للتعبير عن أفكارهم على أرضنا بما يتناسب مع سردية الاحتلال، منكر الإبادة.
نسأل الدكتور رباح لماذا أثنى على الاعتراض على استضافة الشاعر السوري أدونيس في ندوة نظمتها «كلية العلوم والآداب» بتاريخ 26 نيسان 2016، احتفالاً بمرور 150 عاماً على تأسيس الجامعة الأميركية، وذلك بسبب تصريحاته المتعلقة بالثورة السورية؟ ولمْ لا يعد فعله هذا، بحسب المعيار الذي صاغه هو، فعلاً بربرياً؟ لماذا لم ينبر حينها للدفاع عن الحرية الأكاديمية؟
كما نؤكد إيماننا الراسخ بالحوار والنقاش المجدي في مناخ حواري صحي، بعكس أشكال الندوات المتعارف عليها والأشبه بالمحاضرات. إلا أنه لا مفر من المقاطعة وإيقاف الندوة حين يكون المتحدث عن الآداب الحربية شريكاً معنوياً في الإبادة والتطهير العرقي ومنكراً لحدوثه.
عليه، لا بد أن تصدر الجامعة الأميركية بياناً واضحاً بهذا الخصوص، تبين فيه موقفها من حق الشعوب المستعمرة بالتحرر والاستقلال والمقاومة وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، وفيما إذا كانت تصر على جعل فضاءاتها الأكاديمية منبراً آخر للترويج للسرديات الاستعمارية، في حين يُقمع الطلاب والأساتذة في كثير من الجامعات الغربية لمجرد التضامن مع الشعب الفلسطيني.
3: بشأن إلحاق جميع الطلاب بحزب الله
يسقط الدكتور رباح في هذا النوع من التفكير المهجوس بفكرة المؤامرة واليد الخفية التي تحرك كل شيء خلف الكواليس، ذلك الخطاب الذي يسلب كل فعالية اجتماعية من سياقاتها المتشعبة والمعقدة، والخارجة من رحم المجتمع بتناقضاته وحركته السيالة والعفوية، ليختزلها بشكل مجحف وبعيد كل البعد عن التحليل المنطقي، العقلاني والنقدي بجملة من الشعارات والمقولات المبتذلة.
إن هذه الشيطنة وتشويه الحقائق مرفوضان ومدانان، كما أنهما يكرسان سردية بائسة لطالما روج لها حزب الله، وهي أنه هو وحده لا سواه يمثل المقاومة بكل أشكالها، وليس لغيره اجتثاث سردية مختلفة أو أشكال مختلفة للمقاومة، هو الذي يتهم كل من يتجرأ على انتقاده بالعمالة والتصهيُّن. كذلك يفعل الدكتور رباح متهماً كل من لا يتماهى مع سرديته بأنه أداة يحركها الحزب. تجدر الإشارة هنا إلى أن كثراً من الرفاق والرفيقات كانوا في طليعة الصفوف الشعبية خلال انتفاضة تشرين الأول 2019 ضد النظام السياسي الاقتصادي النيوليبرالي ودعاماته. رباح قام هو باجتزاء الحقائق، عيّن تهمته للطلبة، وتنكّر لحقيقة أن ثقافة المقاومة وفكرها وتاريخها متجذرة في الوعي الشعبي، ولن تكون حكراً على حزب سياسي أو حركة عسكرية.
4: الشعارات
أما بالنسبة للشعارات التي رفعت خلال المظاهرة أمام مبنى الجامعة، فيهم الاتحاد أن يوضح أنه لم يكن الجهة الوحيدة المشاركة في التحرك، وأن ليس من حق أحد فرض الشعارات والتحكم بصوت الطلاب النابع أولاً وأخيراً من مشاعر الغضب والاستياء من الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين.
ختاماً، نشدد في الاتحاد الطلابي العام على التزامنا بالمقاومة الشعبية والتحرك نصرةً ودعماً لغزة في معركتها وصمودها في وجه آلة القتل الصهيونية الدموية.
طلاب عمال ضد الاحتلال.