في 4 تشرين الأول 2023، عقد وزير الشبيحة بسام مولوي مؤتمراً صحافياً، عدد خلاله أنواع الجرائم التي يرتكبها اللاجئون/ات السوريون/ات في لبنان. مثل السرقة، القتل، التحرش، الاتجار بالبشر، تزوير العملات وإلى آخره. لكن، منذ 7 تشرين الأول، بدت هذه اللائحة، التي تجمع كل السوريين/ات في قفص اتهام واحد، ناقصة. كأنها لا تفي بالغرض منها.
هكذا، اكتشف لبنانيون/ات بعد ذلك التاريخ، الذي من بين تداعياته القلق والخوف من الحرب والعدوان على بلادنا، جريمتين جديدتين يمكن أن تُلصقا باللاجئين/ات، لم تكن الظروف السابقة تتيح تخيّلهما.
يمكن الافتراض أن إدخال تهم جديدة إلى اللائحة المولوية، تبدو أكثر تكيفاً مع الظروف الراهنة، كان مسألة تكتيك لمواجهة «التشتيت» عن «المسألة الوجودية» (أي «النزوح السوري»)، الذي قد يسببه العدوان الإسرائيلي، كما قال بوقاحة فريدة ممثل وزارة الخارجية اللبنانية هادي هاشم في جلسة لمجلس الأمن، في 24 تشرين الأول.
1- احتلال البيوت الخالية
البداية كانت من بلدة رميش، الواقعة على الحدود اللبنانية – الفلسطينية. في 11 تشرين الأول، نشرت جريدة نداء الوطن تصريحاً لرئيس بلديتها ميلاد العلم، يقول فيه إن سوريين/ات بـ«أعداد كبيرة» حاولوا الدخول إلى البلدة، وكانوا يهتفون «الله وأكبر»، وهو لا يعرف «إن كانوا مدسوسين أو لديهم هدف السرقة أو ربما احتلال بيوتنا».
على أن هذه الـ«ربما»، غير اليقينية، لن تصمد أكثر من 24 ساعة. ففي واحد من تصريحاته اللاحقة لوسائل إعلام محلية، قال «من الواضح أن هؤلاء السوريين قد قصدوا رميش من أجل الدخول إلى المنازل أو الأمكنة الفارغة في البلدة للبقاء فيها». وكي لا يبقي مجالاً للشك، أضاف «يبدو أن السوريين المقيمين في البلدة، قد أبلغوا النازحين في كل القرى المجاورة، بأن أهالي البلدة تركوها وأنه يمكنهم دخولها ومن دون أي رقابة خلال الليل».
في مقابلة أخرى، أضاف تفصيلاً جديداً. فقال إن المشاركين في «النزوح العكسي»، كما سماه، كانوا يحملون العصي والحجارة، «ولم نستطع أن نرى أكثر إن كان معهم أسلحة». واستلهاماً من مزاعمه، عنونت جريدة النهار المقابلة المصورة التي أجرته معه، في 11 تشرين الأول، بـ«نازحون سوريون يقتحمون قرى في جنوب لبنان…». يمكن تفهم «يقتحمون» طالما أنها تحاول أن تعبر عن روايته المرعبة، لكن قرى، بالجمع، من أين جاءت؟ الجواب: تلتزم جريدة النهار في خطها التحريري بالتضليل والتحريض إلى آخر نفس.
المهم، استنفرت جهات عديدة. الرابطة المارونية أصدرت بياناً، أكدت فيه أنها «لن تسمح بأن يتعرض أبناء أكبر بلدة مارونية في الجنوب إلى التهجير أو العوز». كما كتب نواب على «إكس» مستنكرين. وتحمس خبير اقتصادي من مخلفات رياض سلامة، وهو محمود جباعي، فدعا إلى «مراقبة حركتهم [السوريين/ات] بكثافة ومعرفة الأسباب والأهداف وراء هذا العمل الغريب».
المثير للسخرية أن جباعي قال، لاحقاً في تصريح لـ«هنا لبنان»، إن «قيادتي الجيش اللبناني وحزب الله» تواصلتا معه لمعرفة ما حصل، «غير أنني لا أملك معطيات أكثر من محاولة دخول حوالي 500 نازح إلى رميش، ولكن ما نعلمه جميعاً أن النازحين هم أكثر من اللبنانيين في الجنوب، الأمر الذي يدعو إلى القلق من دخولهم إلى بيوتنا في ظل الأوضاع الراهنة».
والحال أن تطور الكذبة من «ربما» إلى نية واضحة إلى – أخيراً- حقيقة مؤكدة، احتاج 19 يوماً. ففي 30 تشرين الأول، كتبت جريدة الجمهورية في المانشيت عن «معلومات عن «احتلال» سوريين لعدد من المنازل في بلدة رميش قرب بنت جبيل، تركها أصحابها، إما لاضطرارهم إلى النزوح بسبب التصعيد الأمني، أو لأنهم أصلاً خارج البلدة أو خارج لبنان. لكن جرى طردهم منها بسرعة، نظراً للمخاوف مما قد يرتكبونه».
الخوف من احتلال الأماكن، من قبل اللاجئين/ات، ليس محصوراً بالبيوت. أو هذا ما يمكن، أقله، فهمه من تصريح وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار لجريدة نداء الوطن. إذ قال إنه «يستحيل استقبالهم [السوريين/ات] في مراكز إيواء كالمدارس أو المؤسسات الاجتماعية في المناطق الجنوبية، فلا أحد يضمن إذا كانوا سيخرجون منها أم لا».
هذا المنطق الغريب، أي احتمال عدم عودة اللاجئين/ات إلى أماكن سكنهم/ن الأولى، هو المنطق نفسه الذي روج له ابتداءً من 11 تشرين الأول، بكثير من الحقارة، كاهن رعية رميش نجيب العميل، في حديثه إلى إذاعة «صوت لبنان»، كتبرير لعدم استقبال البلدة للهاربين/ات من الاعتداءات الإسرائيلية. إذ قال «بحرب تموز تحملنا لإنو كانوا كلن لبنانيين، وقعدوا عنا 33 يوم، وبعدين لما وقفت الحرب رجعوا على بيوتهم، لكن هودي [السوريين/ات] إذا إجوا لعنا وين بدن يروحوا بعد ما توقف الحرب، ما بيرجعوا محل ما كانوا، عنا ألف واحد أصلاً، وين بدنا نروح فيهن؟ وإذا إجوا لعنا يمكن يلاقوا بيت فاضي ما يرجعوا يطلعوا منو، لهذا السبب ما قبلنا إنو يفوتو على الضيعة».
كما بدأنا بميلاد العلم، نختم به. فهو كان قد أعلن، في تصريح صحافي في 25 تشرين الأول، أن بلديته رحّلت «غالبية النازحين القاطنين في البلدة، وبقي فقط 90 نازحاً»، مؤكداً في تصريح آخر، في 27 تشرين الأول، أنه «يخطئ من يذهب في تفكيره إلى أننا سنترك أرضنا وبيوتنا ليحتلها غرباء أو يستوطنها نازحون».
2- التعاون أو التواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي
تشبيه اللاجئين/ات السوريين/ات في لبنان بالاحتلال ليس جديداً. لكن، مع ذلك، الظرف تطلب تطوير التهمة، طالما أننا في هذه الأيام نواجه، في فلسطين المحتلة كما في لبنان، عدواناً إسرائيلياً.
والحال أن تطوير التهمة يتعدى أخذ العبر، وتشابه المصائر، كأن تكتب الفاشينستا غنى غندور على «إكس»، في 26 تشرين الأول، «شايفين شو عم بصير بالفلسطينية ببلدن، إي هيك رح يصير فينا إذا ما انحلت قضية النازحين». هذه الأفكار صارت موضة قديمة، وتجاوزها خيال التحريض إلى جوانب عملية أكثر. أي خدمة الاحتلال وتسهيل عدوانه على بلادنا.
بالتسلسل الزمني، نبدأ بخبر نشره موقع «لبنان 24»، لصاحبه نجيب ميقاتي، في 22 تشرين الأول، عن «تحذيرات عديدة تتوالى من إمكانية مساهمة نازحين سوريين في افتعال إشكالات أمنية في الجنوب وسط التوتر القائم عند الحدود مع إسرائيل (…) وإمكانية حصول تحركات مشبوهة للنازحين واستغلال الأوضاع والتوترات».
في 27 تشرين الأول، نشرت جريدة النهار في «أسرار الآلهة»: «أبلغت بلديات النازحين السوريين المقيمين في نطاقها ضرورة المغادرة الفورية في حال وقوع الحرب خوفاً من تجنيد بعضهم للمراقبة أو لتنفيذ عمليات ترتبط بتنظيمات متشددة».
في 29 تشرين الأول، نشر «لبنان 24» الخبر التالي «يقوم حزب الله بالتعاون مع بلديات الجنوب شمال الليطاني وجنوبه بإجراءات أمنية مشددة جداً تطال النازحين السوريين وحركتهم. وبحسب المصادر، فإن الإجراءات أكثر تشدداً في القرى الحدودية، إذ يبدو أن هناك توجهاً لإفراغ هذه البلدات من النازحين السوريين بشكل شبه كامل بسبب الأوضاع الأمنية وضرورة ضبط حركتهم».
في 30 تشرين الأول، نشرت جريدة الجمهورية ضمن المانشيت التالي: «علمت الجمهورية من مصادر جنوبية موثوقة متابعة للوضع الميداني، أن المقاومة أوقفت قبل نحو أسبوعين في مدينة بنت جبيل شخصاً سورياً كان يقوم بالتصوير في المدينة وفي بعض القرى المحيطة، لا سيما لمراكز المقاومة، ويرسلها إلى العدو الإسرائيلي. لكنها نفت ما تردد عن توقيف أعداد كبيرة من السوريين، مؤكدة أنه شخص واحد وليس ثلاثين كما تردد عبر مواقع التواصل. وأشارت المصادر إلى أن المقاومة وبلديات منطقة بنت جبيل قاموا بترحيل أعداد من السوريين، الذين دخلوا لبنان بصورة غير شرعية أو يُشتبه بأمرهم أو ارتكبوا مخالفات كبيرة وفاضحة».
في 31 تشرين الأول، نشر موقع «أساس ميديا» تقريراً تضمن نقلاً عن «مصادر خاصة»: «حتى نهار الجمعة الفائت، تمكن حزب الله من كشف وتوقيف خمس شبكات تجسس في الجنوب، غالبية أعضائها من السوريين العاملين والقاطنين في القرى الحدودية، وتم ضبط أجهزة على مستوى عالٍ من التقنية، وأسلحة مع عناصر تلك الشبكات، إضافة لخطوط هاتفية أجنبية بهدف التواصل الآمن مع مشغّليهم».
طبعاً، قد يتورط سوري بالعمالة والتواصل مع الاحتلال، كما يتورط لبنانيون/ات وفلسطينيون/ات. لكن السياق التحريضي، المتواصل، ومحاول زج السوريين/ات في كل مشكلة يقولان الكثير. يكفي، كدليل على ذلك، أن يُلحق الخبر، الذي نشرته جريدة الجمهورية، بمعلومات كاذبة عن «احتلال» اللاجئين/ات بيوتاً في رميش.
Two Fresh Charges Leveled against Syrians Post October 7th
On October 4, 2023, Lebanon’s Minister of thugs, Bassam Mawlawi, held a press conference where he enumerated the types of crimes committed by Syrian refugees in Lebanon. These crimes include theft, murder, harassment, human trafficking, currency counterfeiting, and more. However, since October 7th, this list, which had previously lumped all Syrians into one accusatory category, appeared incomplete, lacking purpose.
Thus, after that date, Lebanese citizens, amid concerns and fears of war and aggression against their country, discovered two new crimes that could be attributed to refugees where previous circumstances did not allow them to be imagined.
It can be assumed that adding new charges to Mawlawi’s seems more adaptable to the current situation. As if a tactical move to divert attention from the existential issue of Syrian displacement, which may be a result of Israeli aggression, as shamelessly stated by Hadi Hashem, the representative of the Lebanese Ministry of Foreign Affairs, in a session of the Security Council on October 24th.
1- Occupying Empty Houses
The occupation of empty houses began in the town of Rmeish, located on the Lebanese-Palestinian border. On October 11th, the newspaper Nidaa Al-Watan published a statement by its Mayor, Milad Al-Alam. He said that Syrians in “large numbers” had attempted to enter the town, calling “Allahu Akbar” (God is Great). He did not know “whether they were infiltrators with intentions of theft, or perhaps occupying our homes”.
However, this uncertainty of “perhaps” did not last more than 24 hours. In one of his later statements to local media, he said, “It is clear that these Syrians intended to enter Rmeish to occupy vacant homes or places in the town to stay there”. And to leave no room for doubt, he added, “It seems that the Syrians residing in the town have informed the displaced people in all the neighboring villages that the town’s residents have left it and that they can enter it without any surveillance during the night”.
In another interview, he added new details. He said that the participants in the “reverse displacement”, as he called it, were carrying sticks and stones, “and we couldn’t see if they had weapons with them”. Inspired by his claims, the Al- Nahar newspaper titled the interview, conducted on October 11th, “Syrian refugees invade villages in southern Lebanon…”. The use of the word “invade” can be understood as an attempt to convey his terrifying account, but “villages” in plural, where did that come from? The answer: Al Nahar newspaper seemed committed to distortion and incitement in its editorial stance to the very end.
Nevertheless, it stirred multiple entities: The Maronite League issued a statement, affirming that it “will not allow the people of the largest Maronite town in the south to be displaced or impoverished”. Several deputies condemned the act through posting on “X”. An economic expert, affiliated with Riad Salameh, Mahmoud Jabaa’i, enthusiastically called for “intensively monitoring the movement of the Syrians, and understanding the reasons and objectives behind this strange act”.
And what is ironic is that Jabaa’i later announced to “Houna Lebnan” that “the leadership of the Lebanese army and Hezbollah” contacted him to find out what happened. However, he admitted, “I have no information other than the attempt of entrance for about 500 displaced people into Rmeish, but what we all know is that the displaced outnumber Lebanese in the south, which is cause for concern for their entry into our homes in the current situation”.
The evolution of the lie from “perhaps” to a clear intention and finally to a confirmed fact, took 19 days. On October 30, Al-Joumhouria newspaper wrote in its Manchette about “information regarding Syrians ‘occupying’ several houses in the town of Rmeish near Bint Jbeil, left by their owners, either due the security escalation, or because they were originally outside the town or Lebanon. However, they were quickly expelled due to fears of what they might commit”.
The fear of places’ occupation by refugees is not limited to houses. At least, this is what can be understood from the statement of Social Affairs Minister, Hector Hajjar to Nidaa Al-Watan newspaper. He said, “It is impossible to accommodate them [Syrians] in shelter centers such as schools or social institutions in the southern areas, as no one guarantees whether they will leave them or not”.
And this strange logic, which suggests the possibility of refugees not returning to their original homes, is the same logic that was propagated starting from October 11, with much disdain, by the priest of the Rmeish parish, Najib Al Amil, in his speech to “Voice of Lebanon” radio station, as a justification for not receiving the town’s residents who fled Israeli attacks. He said, “During the July war, we endured because they were all Lebanese, and they stayed with us for 33 days, and then when the war stopped, they returned to their homes. But these Syrians, if they come to us, where would they go after the war stops? They won’t return to where they were. We have a thousand people here, where can we go with them? And if they come to us, they might find an empty house and never leave it. That’s why we didn’t accept them to enter the village”.
And as we started with Milad Al-Alam, we concluded with him. He had announced, in a press statement on October 25, that his municipality had deported “the majority of displaced people residing in the town, and only 90 displaced people remained”. He reiterated in another statement on October 27 that “those who think we will leave our land and homes for strangers to occupy or for displaced people to settle in are mistaken”.
2- Cooperation or Collusion with the Israeli Occupation
Comparing Syrian refugees in Lebanon to occupation is not new. However, the situation requires evolving the accusation, especially as we face Israeli aggression in both occupied Palestine and Lebanon.
Developing the accusation goes beyond drawing lessons and sharing similar fates, as expressed by the fashionista Ghina Ghandour on “X” on October 26. “See what’s happening to Palestinians in their own country; this is what will happen to us if the refugee issue isn’t resolved”. These ideas have become outdated, moving beyond the realm of incitement to more practical aspects, serving the occupation and facilitating its aggression on our country.
In chronological order, we start with an article published on the “Lebanon 24” website, owned by Najib Mikati, on October 22, about “numerous warnings about the possibility of Syrian refugees contributing to security incidents in the south amid the existing tension at the borders with Israel (…) and the possibility of suspicious movements by refugees and exploiting the situations and tensions”.
On October 27, Al Nahar newspaper, in its “Secrets of the Gods” section, published: “Municipalities hosting Syrian refugees within their jurisdictions have informed them of the urgent need to leave immediately in case of war, fearing some of them might be recruited for surveillance or operations related to extremist organizations”.
On October 29, “Lebanon 24” reported the following: “Hezbollah, in cooperation with municipalities in the north of the Litani River and its south, is implementing extremely strict security measures affecting Syrian refugees and their movements. According to sources, the measures are stricter in border villages, indicating a tendency to almost completely evacuate these towns of Syrian refugees due to security conditions and the necessity to control their movements”.
On October 30, Al-Joumhouria newspaper published the following manchette: “Al-Joumhouria has learned from reliable sources in the south monitoring the field situation that the resistance arrested a Syrian person about two weeks ago in the town of Bint Jbeil who was photographing the city and some surrounding villages, especially the resistance centers, and sending them to the Israeli enemy. However, it denied rumors about the arrest of large numbers of Syrians, confirming that it was one person and not thirty, as circulated on social media. The sources indicated that the resistance and municipalities in the Bint Jbeil area have deported Syrians who entered Lebanon illegally, are suspected, or have committed significant and blatant violations”.
On October 31, the website “Asas Media” published a report quoting “private sources”: “Until last Friday, Hezbollah managed to uncover and arrest five espionage networks in the south, the majority of whose members are Syrians working and residing in border villages. Advanced technological devices, weapons, and individuals from these networks were seized, along with foreign phone lines used for secure communication with their operators”.
Certainly, Syrians, like Lebanese and Palestinians, can get involved in employment and communication with the occupation. However, the continuous inflammatory context and attempts to involve Syrians in every problem are excessive. A clear evidence of this are the news followed and published by Al-Joumhouria falsely claiming the “occupation” of houses in Rmeish by refugees.