عودة إلى محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر.
الحكاية، معه، تبدأ بأن يختاره نبيه بري -من دون غيره- ليشغل منصباً عاماً مهماً. نحن الآن في أيار 2014. عندما يختارك بري، فأنت لا بد من أزلامه، لا مزاح في ذلك. تأتمر بأوامره وتنفذ ما يطلبه منك. ويعني، أنك حارس مصالحه، ومصالح من معه. وهي مصالح، مهما كانت وأقلها نهب المال العام، لن تكون حتماً خيراً للصالح العام. التبعية لبري ليست مجردة من التبعات، بالتأكيد. إنها تصنعك، من جديد. تخلقك. كما يمكن للآلهة أن تفعل.
وهي أيضاً مفتاح للتفكير، بالغش والنهب والتحايل، وحتى القتل، من أجل البقاء والغلبة إلى الأبد. وهذه التبعية هي ما نفهمه من خبر نشرته جريدة السفير، في 3 أيار 2014، أي في اليوم التالي على صدور قرار من الحكومة بتعيين خضر في منصبه الحالي.
جاء في الخبر «قبل تعيينه محافظاً لبعلبك الهرمل كان بشير خضر ووالده الدكتور نصر خضر في زيارة للرئيس نبيه بري، فاستبقاهما إلى حين إقرار تعيين المحافظين وتوجه إلى خضر مهنئاً بالقول: دخلت لزيارتي مواطناً والآن تخرج محافظاً». نتخيل اللقاء طقساً من الطقوس الأسطورية.
نحن الآن في حزيران 2016. في 27 من الشهر نفسه، نفذ إرهابيون سلسلة من التفجيرات الانتحارية الدموية في بلدة القاع. في اليوم نفسه، اتخذ بشير خضر قراراً بمنع تجول اللاجئين/ات السوريين/ات في بلدتي القاع ورأس بعلبك لمدة يومين، بذريعة حمايتهم/ن من «أي ردة فعل كان من الممكن أن تحصل ضد النازح السوري، خاصة أنه كان هناك انتشار كثيف لأهالي القاع»، كما نقلت عنه جريدة السفير، في 30 حزيران. هل هناك قرار أكثر عنصرية وحقارة من ذلك؟
الجواب: لا، أبداً. فهو قرار لا يتبنى فحسب ما يزعم أنه رأي سكان القاع، بتحويل كل السوريين/ات إلى قتلة وإرهابيين/ات محتملين/ات، ثم حبسهم/ن في بيوتهم/ن ومخيماتهم/ن، مسايراً رغبة عامة -وغير مبررة طبعاً- بالانتقام الجماعي، بل يعبّر أيضاً عن تقاعس بالقيام بدور مناط به في ردع الذين يبررون بـ«غضبهم/ن» سعيهم/ن لتجاوز القانون، وتهديد أمن الآخرين. أي الذين كانوا، في تلك اللحظة، يشكلون خطراً على مجموع اللاجئين/ات، بناءً على أفكار وتخيلات عنصرية. المحافظ فعل العكس تماماً.
وفي كل الأحوال، لم يحم هذا القرار السوريين/ات من الاعتداءات التالية على التفجيرات. ولم يُحاسب أحداً.
قبل نحو أسبوع، تحول تصريح تحريضي للمحافظ ضد اللاجئين/ات إلى مدخل لتجديد حملة هائلة من الكراهية ضدهم/ن. لا جديد في ذلك، عموماً. نحن الآن في 25 آذار 2023. ارتأى بشير خضر، في سياق رده تهمة العنصرية عن نفسه، خلال تصريح لجريدة نداء الوطن، اليوم السبت، أن يذكّر القراء بما فعله في عام 2016 لـ«حماية النازحين». أي حين «فرض المحافظ وقتها، حظر تجوّل على النازحين مدّة 48 ساعة، لحمايتهم من ردات الفعل، بعد أن أصبح كل نازح موضع شكّ من قبل الأهالي المفجوعين».
حقاً، لا نعرف إذا كان التذكير بقرار عنصري لرد تهمة العنصرية ينطلق من الغباء الصرف، أو أنه -مثل كل سلطة- تعسف وعبث لا يأبه ولا يبالي. مثل نبيه بري صغير، تماماً.